الضرائب والمشاهير- تنظيم الاقتصاد الرقمي وتحقيق العدالة
المؤلف: فراس ابراهيم طرابلسي10.24.2025

في هذه الحقبة التي أصبحت فيها شبكات التواصل الاجتماعي ساحة خصبة للأعمال التجارية ومصنعًا للثروات الطائلة، يسطع نجم "المؤثرين" الذين استطاعوا ببراعة تحويل نفوذهم الرقمي إلى مكاسب مالية هائلة. القضية المثارة حول استدعاء إحدى الشخصيات المؤثرة، والتي صرحت بأن دخلها السنوي يتجاوز حاجز الـ 120 مليون ريال، تثير تساؤلات جوهرية وعميقة حول آليات التنظيم الضريبي، ومدى تحقيق العدالة في التعامل مع هذه الشريحة الاقتصادية الحديثة والواعدة.
على الرغم من إعلان المؤثرة عن بلوغ دخلها السنوي رقمًا فلكيًا يصل إلى 120 مليون ريال، وهو مبلغ يفوق أرباح العديد من الشركات العريقة المدرجة في سوق المال، إلا أن الهيئة المسؤولة عن تنظيم الإعلام قد أشارت إلى عدم صحة هذه المعلومات. هذا التضارب الصارخ يثير علامات الاستفهام حول الأسباب الكامنة والدوافع الحقيقية وراء تقديم مثل هذه التصريحات التي قد تكون مضللة للجمهور، سواء أكان الهدف منها هو الترويج الذاتي أو تعزيز الصورة العامة. وفي كل الأحوال، فإن هذا النوع من التضليل يلحق ضررًا بالغًا بمصداقية المؤثرين، ويعكس خطرًا جسيمًا على الشفافية في التعامل مع الاقتصاد الرقمي المتنامي.
في ربوع المملكة العربية السعودية، يسن نظام مكافحة التستر التجاري ولائحة هيئة تنظيم الإعلام بعض الجوانب المتعلقة بالأنشطة التجارية والإعلانية للمؤثرين، إلا أن غياب إطار قانوني واضح ومحدد لتنظيم دخول المؤثرين إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي يخلق فجوة قانونية واسعة. في المقابل، نجد أن التجارب الدولية الرائدة، مثل فرنسا أو الولايات المتحدة، تفرض قيودًا صارمة على الإفصاح المالي للمؤثرين، وتلزمهم بسداد الضرائب المستحقة على جميع أرباحهم الإعلانية.
إن تضخيم الأرقام أو تقديم معلومات غير دقيقة بشأن الدخل قد يؤدي إلى تضليل الرأي العام، وخلق صورة زائفة وغير واقعية عن النجاح المالي. كما أن هذه التصرفات تثير تساؤلات مشروعة حول الإطار القانوني الذي ينظم نشاط المؤثرين، والحاجة الماسة إلى وضع متطلبات أكثر صرامة للإفصاح عن الحقائق. إن السماح بمثل هذا السلوك دون محاسبة أو مساءلة قد يشجع المزيد من عمليات التدليس، ويسيء إلى ثقة المجتمع في النظام الاقتصادي برمته.
إن المبالغة في عرض الدخل، جنبًا إلى جنب مع نقص الشفافية، لا يؤثر فقط على سمعة المؤثرين ومكانتهم، بل قد يؤدي أيضًا إلى تضليل الجمهور، ويدفع الشركات والأفراد إلى تبني نماذج اقتصادية غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع. كما أن مثل هذه التصريحات قد تثني الجهات الرقابية عن فهم الصورة الحقيقية لهذه الفئة الاقتصادية الناشئة، وتأثيرها الفعلي على الاقتصاد الرقمي.
في هذا السياق الحساس، يجب أن يشمل التنظيم الضريبي لهذه الفئة فرض ضريبة قيمة مضافة على الدخول المرتفعة، وذلك كوسيلة لضمان تحقيق العدالة المالية. يمكن اعتبار هذه الدخول جزءًا لا يتجزأ من النشاط الاقتصادي التجاري، خاصة وأن المؤثرين يستخدمون منصاتهم كقنوات للتسويق وتحقيق أرباح طائلة.
على سبيل المثال:
1- تحديد شريحة دخل سنوية (مثل 5 ملايين ريال وما فوق) لتكون خاضعة لضريبة القيمة المضافة.
2- وضع آليات واضحة للإفصاح عن الدخول، مع متطلبات تقديم تقارير مالية دورية.
3- توجيه جزء من هذه الضرائب لدعم القطاعات الأكثر احتياجًا، مثل التعليم والصحة.
لضمان الشفافية التامة وتحقيق العدالة المنشودة، يمكن استخدام أدوات تقنية متطورة، مثل الذكاء الاصطناعي، لتتبع الإعلانات والأنشطة المدرة للدخل على وسائل التواصل الاجتماعي. كما يمكن إنشاء منصة إلكترونية متكاملة تتيح للمؤثرين تسجيل أرباحهم بشكل دوري وبشفافية مطلقة.
بدلًا من التركيز فقط على فرض الضرائب، يمكن أن تعمل الجهات الحكومية المعنية على إقامة شراكة مثمرة مع المؤثرين، من خلال توجيههم لدعم المبادرات الاجتماعية والاقتصادية. يمكن أن تشمل هذه الشراكات التزامًا بنشر محتوى توعوي هادف، أو المساهمة الفعالة في تمويل المشاريع التي تخدم المجتمع.
الاقتصاد الرقمي يمثل فرصة سانحة للنمو والازدهار، إلا أنه في الوقت ذاته يتطلب تنظيمًا دقيقًا يعكس العدالة والمصداقية. إن فرض ضرائب على الدخول المرتفعة لا يهدف فقط إلى ضمان العدالة المالية، بل يسهم أيضًا في تعزيز الشفافية وبناء ثقة أكبر في النظام الاقتصادي.
إن ما حدث في هذه القضية يوضح بجلاء أن النجاح في منصات التواصل الاجتماعي لا ينبغي أن يكون على حساب الشفافية والمصداقية. المؤثرون هم جزء لا يتجزأ من منظومة اقتصادية واجتماعية أكبر، ويجب أن يتحملوا مسؤولية أكبر تجاه المجتمع من خلال التزامهم بمعايير الإفصاح والنظامية، وبمساهمتهم الفعالة في دعم الاقتصاد الوطني بشكل عادل ومستدام.
